فصل: الحكم الثاني: قوله: {من أموالهم}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المعادن في البقرة وفي الحليّ في هذه السورة.
وأجمع العلماء على أن الأوقية أربعون درهمًا؛ فإذا ملك الحر المسلم مائتي درهم من فضة مضروبة وهي الخمس أواق المنصوصة في الحديث حولا كاملًا فقد وجبت عليه صدقتها، وذلك ربع عشرها خمسة دراهم.
وإنما اشتُرط الحول لقوله عليه السلام: «ليس في مال زكاةٌ حتى يحول عليه الحول» أخرجه الترمذي.
وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك في كل شيء منه رُبُع عُشُرِه قلّ أو كثر؛ هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي ليلى والثَّوْرِي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي ثَوْر وإسحاق وأبي عبيد.
وروي ذلك عن علي وابن عمر.
وقالت طائفة: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهمًا؛ فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها.
هذا قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة.
الرابعة وأما زكاة الذهب فالجمهور من العلماء على أن الذهب إذا كان عشرين دينارًا قيمتها مائتا درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة؛ على حديث عليّ، أخرجه الترمذي عن ضَمْرة والحارث عن عليّ.
قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون عنهما جميعًا.
وقال الباجِي في المنتقي: وهذا الحديث ليس إسناده هناك، غير أن اتفاق العلماء على الأخذ به دليل على صحة حكمه، والله أعلم.
وروي عن الحسن والثوري، وإليه مال بعض أصحاب داود بن عليّ على أن الذهب لا زكاة فيه حتى يبلغ أربعين دينارًا.
وهذا يردّه حديث عليّ وحديث ابن عمر وعائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارًا نصف دينار، ومن الأربعين دينارًا دينارًا؛ على هذا جماعة أهل العلم إلا من ذُكر.
الخامسة اتفقت الأمة على أن ما كان دون خمس ذَودٍ من الإبل فلا زكاة فيه.
فإذا بلغت خمسًا ففيها شاة.
والشاة تقع على واحدة من الغنم، والغنم الضأن والمعز جميعًا.
وهذا أيضًا اتفاق من العلماء أنه ليس في خمس إلا شاة واحدة؛ وهي فريضتها.
وصدقة المواشي مبَّينة في الكتاب الذي كتبه الصدّيق لأنس لما وجهه إلى البحرين؛ أخرجه البخاري وأبو داود والدَّارَقُطْني والنَّسائي وابن ماجه وغيرهم، وكله متفق عليه.
والخلاف فيه في موضعين أحدهما في زكاة الإبل، وهي إذا بلغت إحدى وعشرين ومائة فقال مالك: المصدِّق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لَبُون، وإن شاء أخذ حِقّتين.
وقال ابن القاسم: وقال ابن شهاب: فيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة فتكون فيها حقة وابنتا لبون.
قال ابن القاسم: ورأيي على قول ابن شهاب.
وذكر ابن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد العزيز بن أبي حازم وابن دينار يقولون بقول مالك.
وأما الموضع الثاني فهو في صدقة الغنم، وهي إذا زادت على ثلثمائة شاةٍ وشاةٍ؛ فإن الحسن بن صالح بن حيّ قال: فيها أربع شياه، وإذا كانت أربعمائة شاةٍ وشاة ففيها خمس شياه؛ وهكذا كلما زادت، في كل مائةٍ شاةٌ، وروي عن إبراهيم النخعي مثله.
وقال الجمهور: في مائتي شاة وشاةٍ ثلاث شياه، ثم لا شيء فيها إلى أربعمائةٍ فيكون فيها أربع شياه؛ ثم كلما زادت مائة ففيها شاة؛ إجماعًا واتفاقًا.
قال ابن عبد البر: وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر، وحكى فيها عن العلماء الخطأ، وخلط وأكثر الغلط.
السادسة لم يذكر البخاري ولا مسلم في صحيحهما تفصيل زكاة البقر.
وخرّجه أبو داود والترمذي والنّسائي والدَّارَقُطْني ومالك في مُوَطَّئه وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة.
قال أبو عمر: وقد رواه قوم عن طاوس عن معاذ، إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين أسندوه.
وممّن أسنده بقية عن المسعودي عن الحكم عن طاوس.
وقد اختلفوا فيما ينفرد به بقية عن الثقات.
ورواه الحسن بن عُمارة عن الحكم كما رواه بقيّة عن المسعودي عن الحكم، والحسن مجتمع على ضعفه.
وقد روى هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس؛ ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تَبِيعًا أو تبِيعة، ومن أربعين مُسِنّة، ومن كل حالم دينار أو عِدْله مَعَافر؛ ذكره الدَّارَقُطْني وأبو عيسى الترمذي وصححه.
قال أبو عمر.
ولا خلاف بين العلماء أن الزكاة في زكاة البقر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما قال معاذ بن جبل: في ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مُسِنّةٌ؛ إلا شيء رُوي عن سعيد بن المسيِّب وأبي قِلابة والزُّهْرِي وقتادة؛ فإنهم يوجبون في كل خَمس من البقر شاةً إلى ثلاثين.
فهذه جملة من تفصيل الزكاة بأصولها وفروعُها في كتب الفقه.
ويأتي ذكر الخُلْطة في سورة ص إن شاء الله تعالى.
السابعة قوله تعالى: {صَدَقَةً} مأخوذ من الصدق، إذ هي دليل على صحة إيمانه وصدق باطنه مع ظاهره، وأنه ليس من المنافقين الذين يَلْمِزون المطوِّعين من المؤمنين في الصدقات.
{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} حالين للمخاطب؛ التقدير: خذها مطهِّرًا لهم وَمُزَكيًا لهم بها.
ويجوز أن يجعلهما صفتين للصدقة؛ أي صدقة مطهرةً لهم مُزَّكِّية، ويكون فاعل تزكيهم المخاطب، ويعود الضمير الذي في {بها} على الموصوف المنكر.
وحكى النحاس ومَكّيّ أن {تُطَهِّرُهُمْ} من صفة الصدقة {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} حال من الضمير في {خُذْ} وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن تكون حالًا من الصدقة، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة.
وقال الزجاج: والأجود أن تكون المخاطبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي فإنك تطهرهم وتزكيهم بها، على القطع والاستئناف.
ويجوز الجزم على جواب الأمر، والمعنى: إن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، ومنه قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وقرأ الحسن تُطْهِرهم (بسكون الطاء) وهو منقول بالهمزة من طَهَر وأطهرته، مثل ظهر وأظهرته.
الثامنة قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أصلٌ في فعل كلّ إمام يأخذ الصدقة أن يدعو للمتصدّق بالبركة.
روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللَّهُمَّ صل عليهم» فأتاه ابن أبي أوفى بصدّقته فقال: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» ذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: {وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا}.
قالوا: فلا يجوز أن يصلَّى على أحد إلا على النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده خاصّة؛ لأنه خُصّ بذلك.
واستدلوا بقوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] الآية.
وبأنّ عبد الله بن عباس كان يقول: لا يصلى على أحد إلا على النبيّ صلى الله عليه وسلم.
والأوّل أصح؛ فإن الخطاب ليس مقصورًا عليه كما تقدّم؛ ويأتي في الآية بعد هذا.
فيجب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأسّي به؛ لأنه كان يمتثل قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} أي إذا دعوت لهم حين يأتون بصدقاتهم سكّن ذلك قلوبهم وفرِحوا به.
وقد روى جابر بن عبد الله قال: أتاني النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت لامرأتي: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا؛ فقالت: يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندنا ولا نسأله شيئًا! فقالت: يا رسول الله؛ صلّ على زوجي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلى الله عليكِ وعلى زوجك» والصلاة هنا الرحمة والترحم.
قال النحاس: وحكى أهل اللغة جميعًا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء؛ ومنه الصلاة على الجنائز.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي {إن صلاتك} بالتوحيد، وجمع الباقون.
وكذلك الاختلاف في {أصلاوتك تَأْمُرُكَ} [هود: 87] وقرئ {سكْن} بسكون الكاف.
قال قتادة: معناه وقار لهم.
والسَّكن: ما تسكن به النفوس وتطمئن به القلوب. اهـ.

.قال الخازن:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}
قال ابن عباس: لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه انطلق أبو لبابة وصاحبة فأتوا بأموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: خذ أموالنا وتصدق بها عنا وصل علينا يريدون استغفر لنا وطهرنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا آخذ شيئًا منها حتى أومر به»، فأنزل الله: {خذ من أموالهم صدقة} الآية، وهذا قول زيد بن أسلم وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك.
ثم اختلف العلماء في المراد بهذه الصدقة فقال بعضهم: هو راجع إلى هؤلاء الذين تابوا وذلك أنهم بذلوا أموالهم صدقة فأوجب الله سبحانه وتعالى أخذها وصار ذلك معتبرًا في كمال توبتهم لتكون جارية مجرى الكفارة.
وأصحاب هذا القول يقولون ليس المراد بها الصدقة الوجبة.
وقال بعضهم: إن الزكاة كانت واجبة عليهم فلما تابوا من تخلفهم عن الغزوة وحسن إسلامهم وبذلوا الزكاة أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذها منهم وقال بعضهم إن الآية كلام مبتدأ والمقصود منها إيجاب أخذها من الأغنياء ودفعها إلى الفقراء وهذا قول أكثر الفقهاء واستدلوا بها على إيجاب أخذ الزكاة.
أما حجة أصحاب القول الأول، فإنهم قالوا: إن الآيات لابد وأن تكون منتظمة متناسبة فلو حملناها على أخذ الزكاة الواجبة، لم يبق لهذه الآية تعلق بما قبلها ولا بما بعدها.
ولأن جمهور المفسرين ذكروا في سبب نزولها أنها نزلت في شأن التائبين وأما أصحاب القول الأخير فإنهم قالوا: المناسبة حاصلة أيضًا على هذا التقدير وذلك أنهم لما تابوا وأخلصوا وأقروا أن السبب الموجبة للتخلف وحب المال أمروا بإخراج الزكاة التي هي طهرة فلما أخرجوها علمت صحة قولهم وصحة توبتهم.
ولا يمنع من خصوص السبب عموم الحكم فإن قالوا: إن الزكاة قدر معلوم لا يبلغ ثلث المال وقد أخذ منهم ثلث أموالهم قلنا: لا يمنع هذا صحة ما قلناه لأنهم رضوا ببذل الثلث من أموالهم فلأن يكونوا راضين بإخراج الزكاة أولى.
ثم في هذه الآية أحكام:

.الأول قوله سبحانه وتعالى: {خذ من أموالهم صدقة}:

الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أي خذ يا محمد من أموالهم صدقة فكان النبي صلى الله عليه وسلم وتعالى: يأخذها منهم أيام حياته ثم أخذها من بعده الأئمة فيجوز للإمام أو نائبه أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويدفعها إلى الفقراء.

.الحكم الثاني: قوله: {من أموالهم}:

ولفظة {من} تقتضي التبعيض وهذا البعض المأخوذ غير معلوم ولا مقدر بنص القرآن فلم يبق إلا الصدقة التي بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرها وصفتها في أخذ الزكاة.

.الحكم الثالث: [في عموم وجوب الزكاة في جميع المال]:

ظاهر قوله: {خذ من أموالهم صدقة} يفيد العموم فتجب الزكاة في جميع المال حتى في الديون وفي مال الركاز.